الشارقة من المدن النادرة التي ترغمك على الكتابة عنها من دون مناسبة، لكني أعترف: أكتب عن الشارقة اليوم بمناسبة افتتاح معرضها الدولي للكتاب اليوم.
معرض الكتاب موسم من الفرح الهائل و الفكر النبيل، و على مدى سنوات العقود الماضية، و هي سنوات التفاعل و التأسيس، كانت الشارقة تحتضن هذا المعرض، بكل ما في العبارة من واقع و مستقبل و رموز و إشارات.
وها هو يعود هذا العام، اليوم، ليؤكد أنه ليس فكرة طارئة، و أنه بعض الشارقة، بعض ألقها و ألفتها و بهائها.
إن بعض الشعراء يشبه المدينة بالنساء، لكنه تشبيه سطحي و ساذج في نظر العشاق الحقيقيين، عشاق المدن، و عشاق النساء.
و أن تعشق امرأة، فهو أن تواجه وجهك في مرآة واحدة كل صباح.
وأن تعشق مدينة، فهو أن تواجه وجهك، كل صباح و مساء، في آلاف المرايا.
و حتى تعشق امرأة فلابد من أن يكون لديك قلب واحد.
و حتى تعشق مدينة فلابد من أن تنبض في صدرك قلوب عدة، و كلها مسكونة بالشوق و الوجع، و بالشوارع و الناس.
حب المدن فن، فقد يضيع إنسان في خريطة مدينة فيفقد ملامحه، ولا يكتشف ملامحها، و قد يعيش إنسان في مدينة عمره كله، فكأنه لم يعش فيها لحظة، أو كأنه أهدر عمره في وهم أو خيال. و في المقابل، قد تخطر على بالك مدينة لم تزرها من قبل، و تظل في بالك حلماً أزلياً، و خاطرة جميلة، توقذك أثناء النوم، و تدربك على الرحيل فيها، و في معانيها و مغانيها، من دون أن تغادر عتبة بيتك.
و الشارقة مدينة في الوطن كأنها الوطن، و بيت من الشمس و الظل و العلاقات الحميمة.
ولا يكاد يعادل غرامي بها إلا غرامي بأبوظبي و دبي.
إنها مدينة تستقبلني كلها، دفعة واحدة، عند دوار الخان، و تقدم لي فنجان قهوة، و تفاحة و كتابا.
هل أكتفي بهذا، أم أدخل؟
تقول لي الشارقة في دلال ساحر: تعال نشرب فنجان القهوة، و نأكل التفاحة معا، و معاً نقرأ الكتاب..
و أمسك الشارقة من يدها، و أذهب معها إلى ميدان الرولة، وهناك أتذكر: أشتاق حيناً، و أبتسم في معظم الأحيان..